السكان قاطرة النمو
محمد حسن يوسف
مدير عام بنك الاستثمار القومي
هل يمكن للدولة أن تتعامل مع قضية السكان مثلما تتعامل مع قضية التدخين؟ بمعنى هل يمكن للدولة أن تكتفي بعبارات مثل: " زيادة النسل مسئولية كل منجب " مثلما تكتب على علب السجائر: " التدخين مسئولية كل مدخن "؟!!
بالطبع كل دولة تمتلك مجموعة من التدابير والإجراءات والسياسات التي تقوم باتخاذها لتوجيه المسار إلى زاوية تنموية محددة. وبالنسبة لقضية السكان، كانت النظرة الرسمية دائما للنمو السكاني في مصر على أنه يمثل عبئا خطيرا على سياسات التنمية. ولعل هذه النظرة المتشائمة تعود أساسا إلى الاقتصادي الكلاسيكي توماس روبرت مالتس في كتابه " مقال عن مبدأ السكان " An Essay on the Principle of Population، والذي أوضح فيه نظريته: أن السكان يتزايدون بمتوالية هندسية، في حين أن الموارد الطبيعية التي توفر الغذاء لهم تتزايد بمتوالية عددية. ومن هنا فلابد أن يأتي يوما ما ويتزايد السكان بمعدل أسرع من معدل توافر الغذاء، بما يؤدي في نهاية الأمر لحدوث المجاعات والاضطرابات والحروب.
ولكن هل كان مالتس محقا في نظريته؟! تدلنا الشواهد التاريخية أن مالتس وضع نظريته في بدايات الثورة الصناعية، فلم يمض وقت طويل حتى تم اختراع الآلات الزراعية وابتكار الوسائل الزراعية الحديثة، التي أدت لزيادة الناتج الزراعي من الغذاء، بما أدى لتبديد تلك المخاوف التي أطلقها مالتس.
كما يدلنا أيضا الاقتصادي الكبير جوزيف شومبتير في كتابه الموسوعي " تاريخ التحليل الاقتصادي " History of Economic Analysis، أن هذه الفكرة لم تكن جديدة، إذ قام بالتعبير عنها كتّاب سابقون على مالتس ومعاصرون له، مثل الكاتب الايطالي ( بوتيرو )، والكاتب الفرنسي ( ميرابو )، ولكنهم لم يقوموا بصياغتها في نفس القالب الرياضي الذي استخدمه مالتس. ومن هنا لاقت تلك النظرية رواجها، واحتفظ مالتس بشهرته لصياغتها.
وبالطبع تدلنا الشواهد الحالية أيضا على كذب هذا الادعاء. فالصين التي تعتبر من أكبر دول العالم في الكثافة السكانية، تتجه الآن لكي تتبوأ المركز الاقتصادي الأول على مستوى العالم في عام 2025، بعد نجاحها في انتزاع المركز الثاني من اليابان في أواخر العام الماضي. كما أن الهند، وهي ثاني أكبر دولة من حيث الكثافة السكانية، تحتل الآن أيضا مكانة اقتصادية مرموقة بفضل النجاح في سياساتها الاقتصادية التنموية.
وحيث صاغ مالتس نظريته بما يوحي باستحالة تغيير الأوضاع القائمة، طالما أن السكان سيتزايدون في نهاية الأمر بمعدل أسرع من زيادة المواد الغذائية، فقد تبنت معظم الحكومات في العالم الثالث تلك النظرية لتبرير فشلها في إحداث عملية تنمية حقيقية لبلادها. إذ ألقت بعبء فشل سياسات التنمية على تزايد السكان، الذي التهم ثمار التنمية المنشودة.
بل يمكن الجدال بأن عكس النظرية هو الصحيح، ذلك أن عدم شغل السكان بأعمال مثمرة وانخراطهم في قضايا تنموية وطنية، سيؤدي إلى تزايد أوقات فراغهم، بل يدفعهم للاهتمام بإنجاب الأطفال والعناية بتربيتهم.
ما نخلص إليه إذن هو أنه لا يجب التعامل مع قضية السكان على أنها قضية فردية، نقوم بإلقاء اللائمة على السكان فيها، ونتهمهم بأن تزايد أعدادهم هي السبب في فشل عملية التنمية في البلاد. بل يجب إتباع حزمة متكاملة من السياسات الفعالة التي تؤدي لانخراط السكان في عمليات التنمية بالبلاد، وتسخير العلم في ابتكار تقنيات كثيفة العمل يتم توظيفها في عملية التنمية، لكي تستطيع البلاد تحقيق مكانتها المرجوة بين سائر الأمم.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]8 من جمادى الأولى عام 1432 من الهجرة ( الموافق 11 من إبريل عام 2011 )
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]