الأولوية للأمن الآن
محمد حسن يوسف
مدير عام بنك الاستثمار القومي
منذ أن اندلعت ثورة يناير 2011، وتعاني مصر من عدم توافر الأمن بها. ذلك أنه فور اندلاع المظاهرات في جمعة الغضب، وما تلاها من حدوث الانسحاب الأمني، انبثقت اللجان الشعبية لتأمين الأحياء والمناطق السكنية المختلفة. وبعد تنحي الرئيس السابق، واستقرار الأمور لحد ما، قامت الشرطة بنزولها للشارع مرة أخرى، مما أدى لاستعادة مؤقتة للأمن.
لكن ما زال الأمن غير مستتب حتى هذه اللحظة، للدرجة التي تشعرك بالأمان وأنت تسير في الشارع. وهناك العديد من الحكايات والروايات التي يتناقلها الناس فيما بينهم للتدليل على عدم الاستعادة الكاملة للأمن في الشارع المصري حتى الآن.
وعلى المستوى الشخصي، عاصرت بنفسي إحدى حالات الانفلات الأمني في الشارع. ففي يوم الجمعة الماضي وأنا أصلي المغرب في أحد أكبر مساجد مدينة نصر، شعرت أنا والمصلين بحالة هرج ومرج غير طبيعية تحدث خارج المسجد، وارتفعت الأصوات بدرجة كبيرة، ثم سمعنا صوتا نسائيا ينادي داخل المسجد على اسم أحد المصلين، الذي قطع صلاته وخرج مسرعا. وحينما خرجنا من المسجد بعد الانتهاء من الصلاة نستطلع الأمر، علمنا أن هذا الرجل كان قد دخل المسجد للصلاة، وترك زوجته في السيارة مع طفلهما الرضيع. ثم جاءت مجموعة من البلطجية التي أمرت الزوجة بالنزول من السيارة، لتستولي عليها وتفر هاربة باتجاه مقابر القطامية.
لا شك أن حالة الفراغ الأمني التي تمر بها البلاد الآن قد شجعت هؤلاء البلطجية على ارتكاب العديد من تلك العمليات المماثلة خلال الفترة القليلة الماضية. ولا شك أن العديد منا قد مر شخصيا بحالات مشابهة أو عاصرها. فما الذي يجعل الأمن غائبا أو غير متواجد بالكثافة المطلوبة حتى هذه اللحظة؟!
كنت أتحدث مع أحد المسئولين في هذا الموضوع، وطرحت عليه هذا السؤال، وتعجبت من عدم قدرة الشرطة حتى الآن على البدء باستعادة زمام الأمور مرة أخرى. ولكنه أخبرني بأن جهاز الشرطة يعاني بالفعل من هزة عنيفة تحتاج إلى بعض الوقت لإعادة التأهيل.
وقد دلل على ذلك بواقعة حكاها لي: فقد تقدم نائب مأمور أحد الأقسام بطلب إلى إحدى الجهات الحكومية للانتقال للعمل بإدارة الأمن فيها. وما أن انتقل هذا الرجل إلى تلك الجهة، حتى حدث نوع من البلبلة في إدارة الأمن بتلك الجهة، حيث يعني انتقاله إليها منافسته للأفراد الذين يعملون بالإدارة منذ سنوات عديدة. ولما طالت حالة البلبلة تلك، استدعى رئيس الجهة صاحبنا نائب المأمور، وطلب منه العودة مرة أخرى إلى عمله بقسم الشرطة، لما أحدثه مجيئه من تأزم للأمور في تلك الجهة. فما كان من الرجل إلا أن انخرط في البكاء، وقال له: " إنني أرضى بأي عمل في مؤسستكم، على ألا أعود إلى العمل للقسم مرة أخرى. إنني لا استطيع مواجهة الجماهير مرة أخرى. هل تعلم ماذا حدث لي يوم جمعة الغضب؟ لقد تكاثرت الجماهير الغاضبة عليّ وأحاطت بي، واخذوا يضربونني وخلعوا عني ملابسي، ولم أنجُ منهم إلا بمعجزة "!!
هذه الحكاية تكشف لنا أن عملية إعادة التأهيل لن تكون بالسهولة المتصورة، أو عودة الشرطة ستكون بالسرعة المتوقعة. وهذا الأمر يفرض علينا طرح حلول سريعة وبديلة تكون في المتناول حتى يعود الأمن مرة أخرى إلى الشارع المصري:
أولا: يجب على الجماهير مساعدة رجال الشرطة على تخطي هذه العقبة، والوقوف بجانبهم ودعمهم بكل ما أوتوا من قوة، حتى تعود إليهم ثقتهم في أنفسهم مرة أخرى.
ثانيا: من الممكن تخريج دفعات استثنائية من كليات الشرطة لسد الفراغ الأمني الموجود بالشارع المصري، ويكون ذلك بضغط المناهج الدراسية، والدراسة في فترة الصيف المقبل، بحيث يتوافر عدد مناسب من رجال الشرطة لمواجهة أعداد الذين طلبوا إنهاء خدمتهم أو تقاعدوا.
ثالثا: من الممكن طلب دفعة جديدة من خريجي الكليات المصرية ذات الدراسة المناظرة للدراسة في كلية الشرطة، وضغط الدورة التأهيلية لهم خلال فترة الصيف القادم، حتى يتوافر عدد آخر من رجال الشرطة خلال فترة قصيرة.
وهكذا فمن الممكن أن يؤدي ذلك للإسراع بعودة الشرطة إلى عملها مرة أخرى، ومن ثم استعادة الأمن الذي أصبح مطلوبا الآن أكثر من أي وقت مضى.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]9 من جمادى الأولى عام 1432 من الهجرة ( الموافق 12 من إبريل عام 2011 )
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]