العودة إلى الاقتصاد العيني!
محمد حسن يوسف
مدير عام بنك الاستثمار القومي
لم يعد العالم بعد الأزمة المالية والاقتصادية التي عصفت باقتصاده يفكر بنفس المنطق الذي كان يفكر به قبلها، ولا يتبع الأيديولوجيات نفسها. فمما لا شك فيه أن تهاوت الليبرالية الجديدة عن عرشها، وأصبح يُنظر بعين الاعتبار مرة أخرى إلى الاعتماد على قطاعات الاقتصاد العيني، وإلى سياسات الرفاهة الاجتماعية، وهي الأمور التي لم يكن من الممكن التجرؤ على التطرق إليها قبل حدوث تلك الأزمة.
وينظر العديد من الأفراد في الدول الغنية الآن إلى الانخفاض المطرد في نصيب الناتج المحلي الإجمالي الذي يأتي من قطاع الصناعة التحويلية بمزيد من القلق. ويشارك هؤلاء الأفراد أيضا عدد من الأكاديميين. ففي بحث حديث أجراه كل من مايكل سبنس Michael Spence وسانديل هلاتشوايو Sandile Hlatshwayo لمجلس العلاقات الخارجية Council on Foreign Relations بنيويورك، بعنوان The Evolving Structure of the American Economy and the Employment Challenge، جادلا بأنه يجب على الاقتصاد الأمريكي البحث عن سبل لزيادة فرص العمل في قطاع "السلع القابلة للتجارة": أي الصناعات التي يتم تبادل منتجاتها عبر الحدود. وبالرغم من أن هذه المجموعة تضم بعض الخدمات، مثل التمويل، إلا أن الصناعة التحويلية هي المهيمنة عليها.
وبالبحث عن أرقام قوة العمل، نجد أن السلع القابلة للتداول لم تسهم تقريبا بشيء يذكر في إيجاد وظائف للأمريكان منذ عام 1990. ففيما بين عامي 1990 و2008، نجح الاقتصاد الأمريكي في توفير 27.3 مليون فرصة عمل جديدة. ولكن معظم هذه الوظائف كانت في صناعات الخدمات التي لا يتم تداولها، مثل التعليم والصحة وتجارة التجزئة والخدمات الحكومية، التي استوعبت 26.7 مليون فرصة عمل من الفرص التي تم توفيرها. أما القدر المتبقي من فرص العمل، والبالغ 0.6 مليون فرصة عمل، فقد استوعبتها الصناعات القابلة للتداول، والتي جاءت أساسا من النمو في الخدمات القابلة للتداول مثل التمويل والتأمين.
وفي البحث عن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء هذا التحول، نجد أن التغيرات التكنولوجية والعولمة من أهم العوامل التي أدت لهذا الاتجاه. فقد أدى هذان العاملان لعكس الاتجاه القديم الذي كان سائدا في تخصص الدول في إنتاج السلع ( بجميع مراحلها ) التي لديها مزايا نسبية فيها، لكي تتخصص الدول بدلا من ذلك في مراحل معينة من مراحل عملية إنتاج تلك السلع. وهكذا انتقلت العمليات البسيطة والمتلاحقة لإضافة القيمة في سلسلة الإنتاج إلى دول العالم النامي، والتي تتميز برخص أجور العمالة فيها.
هذا الموضوع الهام يطرح عدة تساؤلات على مستوى الاقتصاد المصري: فهل كان نمط توفير فرص العمل الذي حدث في مصر خلال الفترة الماضية منذ إتباع العمل بسياسات الإصلاح الاقتصادي وحتى الآن مشابها لهذا النمط المذكور في الدراسة؟ وهل كان ذلك في صالح الاقتصاد المصري؟ وهل استفاد العاملون أنفسهم من هذا النمط من التوظيف؟ وهل هذه الدراسات تكون بمثابة مقدمة للعودة من جديد للاعتماد على قطاعي الصناعة التحويلية والزراعة في الاقتصاد؟ ولعل البحث عن إجابات لتلك التساؤلات يكون موضوعا لمقال آخر بإذن الله.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]1 من جمادى الأولى عام 1432 من الهجرة ( الموافق 4 من إبريل عام 2011 )
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]