[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]الزواج أساس البناء الاجتماعي 1
القسم الأول : دور الزواج في إيصال الفرد إلى الكمال .
قال الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً}(الروم:21) صدق الله العلي العظيم .
إن من أهم ما يفكر به الإنسان في الحياة الدنيا ,هي مسألة استتباب النظام الاجتماعي من خلال توطيد دعائمه ، ولن يتحقق استتباب هذا النظام إلا باستتباب الأمن في المجتمع ، الذي يتوقف على تلبية ما يحتاجه ، فإذا لم نلبي للمجتمع ما يحتاجه, فإن دعائم الأمن فيه ستنهار . لذا فإن العلماء يقولون إن من دعائم استتباب الأمن الاجتماعي مسألة تأمين الحاجيات الأساسية في الجنس على ضوء القانون والنظام، لأن عدم تلبية ما يحتاجه المجتمع من الناحية الجنسية فإن دعائم ذلك المجتمع ستنهار ، والإنسان عندما يكبر تتضور فيه نيران الشهوة ، ويخيل إليه أن مسألة فتح باب ما يحتاجه لإرواء ظمأه الغريزي هو الذي يحقق له الاطمئنان ، ويكون الإنسان في مرحلة البلوغ كالطفل الذي يريد أن يلعب بكل شيء ، ويريد أن يحقق لنفسه كل ما يصبوا إليه وإن كان يعود عليه بالضرر، ولكنه سرعان ما يكتشف بأن تلك النظم والقوانين الاجتماعية تعود عليه بالخير كفرد ، وأيضاً تعود على المجتمع بأسره لكونه لَبِنَة , تشكل مفردة في بناء هذا الهرم الاجتماعي .لذا ورد عن المصطفى صلى الله عليه وآله الطاهرين، عن علي عليه السلام قال : (إن الرسول صلى الله عليه وآله عندما يتزوج أحد الأشخاص يقول :كَمُلَ إيمانه) وكمال الإيمان يشير به المصطفى صلى الله عليه وآله إلى مجموعة من النواحي ، أولها أن ذلك الفرد قد حقق لنفسه الشخصية المتكاملة التي تسهم في دور العطاء المتزن في المشاركة الجماعية والاجتماعية ، وأما إذا كَبَتَ الفرد غرائزه فإن الضرر سيعود عليه شخصياً , كما وأنه لو أطلق لنفسه العنان في إشباع غرائزه فإن الضرر سيعود على المجتمع ككل. وهذا الإفراط والتفريط يرفضه الإسلام ويستعيض عنه طريقاً وسطاً, وضحه المصطفى صلى الله عليه وآله في الحديث:
(ما بُنيَ بناء في الإسلام أحب إلى الله تبارك وتعالى من التزويج)
لذا علينا أن نفكر في مجموعة من المحاور:
المحور الأول / تثقيف المجتمع بأهمية الزواج المبكر :
إن من عوامل الرقي الاجتماعي ,هو إزاحة كل العقبات التي تعوق الزواج, ولا يتم ذلك إلا من خلال التركيز على الثقافة الإسلامية التي تدعو إلى التزويج المبكر، ونحن نعلم بأن العوائق كثيرة ، ولكن المجتمع يستطيع الإسهام بالإعلام الهادف في أن يبين لأولياء أمور الشباب والشابات أهمية الزواج المبكر ، باعتباره يشكل سياجاً أمنياً عن الانحراف . فهذه الشهوة بالنسبة للإنسان كالنار تشتعل في داخله ، فتحرق الأخضر واليابس إذا لم تصب في الأُطُر القانونية التي شرعت من قبل المشرع الحكيم ، فإذاً علينا أولاً أن نثقف مجتمعنا بأهمية الزواج المبكر ، فهو كفيل بالحد من الكثير من الآلام التي تعتري ذلك الشاب وتلك الشابة ، وقد لا يتصور البعض - بالخصوص الذي تتوافر لديه الزوجة الصالحة ويعيش في المسكن الاجتماعي المرفه – ما يعانيه الشاب والشابة من آلام وآمال ، وعلينا أن نسهم في التخفيف عن آلامهما وفي تحقيق ما يصبون إليه من آمال، وهذا لن يتحقق إلا من خلال إيجاد ثقافة تركز أهمية الزواج المبكر.
المحور الثاني / الانضباط القانوني للشاب والشابة:
علينا أن نزرع في ذهنية الشاب والشابة و نبين لهما على أن مراعاة القانون والانضباط ضمن ذلك الالتزام القانوني سوف يحقق ثلاثة أمور هامة:
الأمر الأول : تحقيق الرفاه والاطمئنان لهما ولأسرتيهما ولمجتمعهما، وأن إشباع الغرائز من دون قانون وانضباط - حتى لو حقق رغبة محدودة -فإنه سيعود عليهما بالضرر الفادح والكبير في الزمن القريب غير البعيد . ولذلك نرى أن الكثير من الناس الذين أطلقوا لشهواتهم العنان من دون انضباط ، سببوا لأنفسهم ولأسرهم ولمجتمعهم من الويلات والآلام والمشاكل مالا يعلم به إلا الله تبارك وتعالى.
الأمر الثاني : تحقيق السعادة التي يصبوا إليها الإنسان.
الأمر الثالث : الإسهام في تحجيم أضرار تلك الشهوة التي تعتري الجانب الفسلجي أو الجانب الجسمي من الإنسان .
المحور الثالث / أهمية التسهيل في الزواج :
إن الزواج - ولله الحمد - في مجتمعنا الأحسائي، بل في الخليج - عند من ينتمون إلى مدرسة أهل البيت سلام الله عليهم ويستقون من مشربهم - هو سهلٌ وميسرٌ ، إلا أننا بحاجة إلى تسهيل أكبر وأكثر باعتبار أننا نعيش في عالم مفتوح ، فلم يعد هذا الزمن الذي نعيش فيه كالزمن السابق الذي يعيش فيه الشاب دون أن يطلع على مجريات الأمور التي من حوله ، فلقد أصبح الشاب هذا اليوم يعيش العالمية بكل ماتعنيه كلمة العالمية من معاني ،وذلك بواسطة الإنترنت، و الفضائيات ، و المجلات التي تُعنى بمختلف أنواع المعرفة وتحتوي على الكتابات والصور التي تثير شهوة المتقي دون ذلك الإنسان الذي قد لايكون له وازع من التقوى ، فعلينا أيضاً أن نلتفت لهذا الجانب , لأن تسهيل الزواج يسهم إسهاماً كبيراً في تحجيم مايحيط بمجتمعنا من مشاكل وما تخطط له بعض تلك الفضائيات , من خلال إيجاد بعض البرامج الهابطة ، والمسابقات التي تسهم في دفع ذلك الشاب وتلك الشابة إلى السقوط في مهاوي الرذيلة والفساد .من هنا ندرك أهمية التسهيل والتيسير في الزواج , فمن خلال ما ورد عن أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين , نجد تركيزاً خاصاً على أهمية تقليل المهر .
قال المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: ( أفضل نساء أمتي أقلهن مهراً ) فالمرأة التي مهرها قليل ، لها أفضلية , على غيرها من النساء اللاتي مهرهن كثير . وما دام الحديث حول الشاب والشابة فهناك نقاط مهمة ينبغي أخذها بعين الاعتبار:
النقطة الأولى : إن فكرة الزواج المبكر التي ذكرناها سوف تحل الكثير من المشاكل التي نعيشها , ولكن باعتبار أن الشاب يكون مشغولاً بدراسته الجامعية , فقد لا يستطيع الزواج بمفهومه العام ,ولكن يمكنه أن يرتبط بالشابة في هذه المرحلة برباط وثيق وهو العقد الشرعي , بمعنى أن يعقد على الفتاة وتبقى عند أهلها , وهو أيضاً يبقى عند أهله , ويمكنه أن يزور زوجته في بيت أهلها , أو هي تزوره في بيت أهله إلى أن تنتهي فترة الدراسة الجامعية , فيرتبطان بالزواج وهذه الطريقة لها دور كبير في التخفيف من نار الشهوة , ويحقق اطمئناناً وأمناً نفسياً واجتماعياً , حتى على المستوى الدراسي , فيحقق للشاب والشابة مستويات علمية راقية ونجاحات باهرة , وذلك نتيجة الاستقرار النفسي والتركيز الذهني .
النقطة الثانية : لينا أن نراعي الحاجات الأساسية المُلِحة بالنسبة للشباب والشابات ,ونسعى لتحقيقها , ونزيح العوائق التي تقف أمام تحقيق ذلك , فهذا أسلم من أن تنحرف تلك الفتاة فتؤثر على سمعة أهلها , أو ينجرف ذلك الشاب ويؤثر على سمعة أهله .
النقطة الثالثة : علينا أن نوضح للشاب والشابة , مايعنيه قوله تعالى في الآية التي استهللنا بها حديثنا فالمودة هي : الحب , والرحمة هي : العطاء بلا حدود . وعندما يفهم ذلك الشاب ثقافة الإسلام , ويقدم كل منهما للآخر عطاءً بلا حدود فإننا نضع سياجاً رائعاً مستقى من خلال ثقافتنا الإسلامية , ومن خلال خُلقنا القويم المأخوذ من القرآن الكريم , ومن أحاديث المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم , والعترة الطاهرة . وبذلك نبني أمتنا على أُسس من الخير ودعائم من الفضيلة . أسال الله تبارك وتعالى - ونحن في مستهل هذا الشهر , وهو شهر ربيع , الذي يكثر فيه التزويج - أن يكون لنا نحوان من الزواج:
1- الزواج الذي يتحقق فعلاً , بمراسيمه الخاصة واجتماع الزوجين معا تحت سقف واحد .
2- الزواج على حد تعبير الفلاسفة والعلماء ,هو زواج بمرتبة القوة ، أي نربط بين أبنائنا وبناتنا برباط العقد الشرعي الذي يسهم في تحجيم الرذيلة
الزواج أساس البناء الاجتماعي 2
القسم الثاني : اختيار الزوجة وصفاتها.
قال الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً)(الروم:21) صدق الله العلي العظيم .
استعرضنا وإياكم في الأسبوع الماضي أهمية الزواج في بناء المجتمع الإنساني وفي إيصال الفرد إلى كماله في النواحي المتعددة، في الناحية النفسية والجسدية والروحية، وكذلك في تحقيق الأمن والاستقرار للمجتمع ككل ، وقد وردت روايات متعددة عن النبي صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين ، وأهل البيت سلام الله عليهم أجمعين ،تفصح عن هذه الحقيقة.
قال صلى الله عليه وآله: (ما استفاد امرؤ بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة أو أفضل من زوجة صالحة، تسره إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أمرها، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله).
نجد هنا أن النبي صلى الله عليه وآله الطاهرين يبين هذا المطلب على أن أهم المنجزات والمكتسبات التي يحققها الإنسان في مساره التكاملي هو إناء الأسرة، الذي عبر عنه بالزوجة الصالحة التي تتوافر فيها مجموعة من الصفات:
الصفة الأولى : أنها قادرة على إشباع حاجة الزوج وإدخال السرور عليه ، وبالطبع فإن النبي صلى الله عليه وآله عندما يعبر هذا التعبير بالنسبة للرجل، أيضاً يريد به المرأة ، وبالتالي نستطيع أن نعكس هذا الأمر ونقول لها : لا توجد امرأة استفادت فائدة كبرى بعد إسلامها كاستفادتها بكونها زوجة، وفي كونها لبنة في بناء صرح ذلك المجتمع المؤمن والمسلم .
الصفة الثانية : قوله: (وتطيعه إذا أمرها) باعتبار وجود قيمومة في الدين الإسلامي للرجل على المرأة.
الصفة الثالثة : قوله : (وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله) أيضاً هذه إشارة جميلة منه صلى الله عليه وآله الطاهرين على أهمية الاستقرار والأمانة في الأسرة، لأن الأسرة التي تتوافر فيها الأمانة ويتوافر فيها الاستقرار وتسلك جادة الصواب فهي أسرة ناجحة .
هذا المطلب الذي أبانته الروايات عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام، هو أيضاً ما يفصح عنه العلماء في دراساتهم في العصر الحديث، فهناك نظريات كثيرة وكتب تبين ما وصلت إليه الأبحاث الحديثة، وأن ما أبانه الإسلام في بدء الدعوة هو خلاصة لكل التجارب التي توصل إليها البحث العلمي في عصرنا الراهن. فهذا هو أحد أساتذة الجامعات من الباحثين في هذا الشأن يقول: [ إن القضايا الجنسية هي من جملة الأمور التي يتمكن من خلالها الإنسان من إظهار أخلاقه وصفاته ، فعلى سبيل المثال من يبدو في سلوكه الجنسي فارضاً لهيمنته على الآخرين، ومستغلاً لهم، فلا يمكن أن يكون في مراحل حياته الأخرى جديراً بالعدالة ومستعدا ًللمطالبة بها ، كذلك فإن من يعتبر الجنس قذراً فلا يمتلك القدرة الكافية لفهم قيم القضايا ].
وعلى هذا، فهناك أمران ينبغي للشاب أن يعيرهما أهمية كبرى:
الأمر الأول : مسألة العدالة في بناء الأسرة الصالحة، فالإنسان يستطيع أن يجسد قيم العدالة من خلال ارتباطه بالزوجة الصالحة ، والكثير من الناس يمارس الظلم والجور ، باعتبار أنه لم يفهم بعد قيم العدالة ، وإن الطريقة المثلى لفهم العدالة تتأتى من خلال بناء الأسرة، فيتعرف الإنسان على مسؤوليته ويقوم بواجباته الملقاة عليه أحسن قيام، وبذلك يفهم حقيقة العدل الذي جاء ت به الشرائع السماوية ، وأفصح عنه في القوانين الوضعية ، كأفضل سمة تحقق للإنسان الخير والرفاهية . هذا المطلب الذي أشارت إليه الأبحاث الحديثة ، ورد في كثير من الروايات بيان له. قال صلى الله عليه وآله: (خير أمتي أولها المتزوجون وآخرها العزاب) أي أن الخير الذي يصل إليه الإنسان يتحقق من خلال الزواج ، وقال صلى الله عليه وآله: (يا شاب تزوج وإياك والزنا، فإنه ينزع الإيمان من قلبك). فالإنسان الذي لم يتزوج فإنه يسلك طريقين كل من هذين الطريقين لاينسجم مع التقدم في الجانب الكمالي للإنسان :
الطريق الأول/ هو أن يكبت شهواته، ويعود عليه هذا الكبت والحرمان بمشاكل، ومن أسوأ تلك المشاكل العقد النفسية التي تجعله لا يعيش الطمأنينة والهدوء والاستقرار ، ولا يستطيع أن يتعامل بإيجابية تامة مع الآخرين .
الطريق الثاني/ أن يطلق العـنان لشهواته وبالتالي يسلب المجتمع أمنه واستقراره.
فلا توجد طريقة مثلى غير ما أشارت له كل الشرائع السماوية ، وبينه الإسلام بأروع ما يكون من تشريع وهو الزواج.
فيحسن بنا في هذا اليوم أن نبين مطلباً في غاية الأهمية يتناسب مع وضعنا الراهن، وخصوصاً أننا في شهر ربيعٍ، الذي يكثر فيه الزواج في منطقتنا.فلا توجد طريقة مثلى غير ما أشارت له كل الشرائع السماوية ، وبينه الإسلام بأروع ما يكون من تشريع وهو الزواج.
فيحسن بنا في هذا اليوم أن نبين مطلباً في غاية الأهمية يتناسب مع وضعنا الراهن، وخصوصاً أننا في شهر ربيعٍ، الذي يكثر فيه الزواج في منطقتنا.
الأمر الثاني : ينبغي للشاب أن يستشير أباه ، وأن يرجع لأمه ، وكذلك يستفيد من ذوي الخبرة والاختصاص قبل أن ينتخب ، وقد ورد في الروايات أهمية الاستشارة، لأنها مطلوبة في كل مايرتبط بشؤون حياتنا ، وبالخصوص في الزواج، قال الإمام علي عليه السلام: (شاور قبل أن تعزم،وفكر قبل أن تقدم) وقال عليه السلام: (من شاور الرجال شاركها في عقولها ). فالإنسان إذا ضم عقول الآخرين وتجاربهم إلى عقله وتجاربه فإنه بالتأكيد قد أثرى الجانب الذي به يستطيع أن يحقق أفضل النتائج التي يطمح أن يصل إليها.
من يختار الزوجة أو الزوج ؟
هناك الكثير من الشباب والشابات يشكون من بعض الممارسات التي تفرض عليهم من قبل الأهل، فيقوم الأب مثلاً باختيار الزوجة التي يراها مناسبة لابنه ، من دون أن يكون للابن أي دور في هذا الاختيار ، وكأن الأب هو الذي سيتزوجها وليس الابن ، وهذا من الأخطاء الفادحة التي ينبغي علينا أن نلتفت إليها ، فالذي يريد أن يتزوج هو الشاب أو الشابة وليس الأب أو الأم ، فمحور الاختيار ينبغي أن يكون بيد ذلك الشاب وبيد تلك الشابة.
وظيفة الأبوين تجاه الأبناء:
إن مهمة الأبوين تجاه أبنائهما هي إسداء النصيحة والتوجيه الذي يصب في مصلحتهم ويتمثل ذلك في عدة نقاط:
الأولى : أن يوضحا للشاب أو للشابة كيفية اختيار شريك المستقبل ومواصفاته التي تبنى على أساس الأحاديث الشريفة عن المعصومين عليهم السلام، مثل ما ورد، عن المصطفى صلى الله عليه وآله:
(اختاروا لنطفكم فإن العرق دساس).
الثانية : ذكر توجيهات العلماء حول كل مايرتبط بالحياة الزوجية.
الثالثة : أن يتحدث الأبوان عن تجاربهما كزوج وزوجة.
الرابعة : التركيز على الابن في أن يهتم بالدين والخلق في صفات الزوجة ، قال صلى الله عليه وآله: ( عليك بذات الدين تربت يداك ) ، وأن الزوجة ليست بمالها أو بجمالها لأن المال يزول ، والجمال مجرد إرواء لظمأ جنسي في فترة محدودة ، ثم يتلاشى وينتهي ، بينما الذي يبقى هي تلك السمات والصفات والركائز الأساسية التي تتوافر في شخصية تلك المرأة الصالحة والتي تشده وتربطه بها في كل حركة وسكون ، وهذا كله يربط الزوج بها ارتباطاً وثيقاً، لا يمكن أن ينفصل، ولذلك نجد أن بعض الأزواج ، إذا ماتت زوجته يتألم كثيراً، لأنها مثلت له المحور في حياته ، والطمأنينة والهدوء والاستقرار والسكينة والرابطة لإيمانية ، وهذه هي الزوجة التي يريدها الإسلام وتشير إليها الروايات .
مشكلة انتخاب الأبوين الزوجة للابن في الروايات عن المعصومين (ع):
إن مشكلة اختيار الأبوين للزوجة دون أن يكون للابن أدنى رأي ، ليست من مختصات مجتمعنا الذي نحن في كنفه ، بل كانت لها جذور عميقة ممتدة إلى زمن الأئمة عليهم السلام ، واستُعِرَضت في الروايات: عن أبي يعفور ، ُسئل الإمام الصادق عليه السلام عن مسألة اختيار الأب والأم للزوجة دون جعـل رأس الخيط بيد الشاب، قلت له عليه السلام : ( إني أريد أن أتزوج امرأة وإن أبويَّ أرادا غيرها ، قال تزوج التي هويت).
بينما الذي يبقى هي تلك السمات والصفات والركائز الأساسية التي تتوافر في شخصية تلك المرأة الصالحة والتي تشده وتربطه بها في كل حركة وسكون ، وهذا كله يربط الزوج بها ارتباطاً وثيقاً ،لايمكن أن ينفصل، ولذلك نجد أن بعض الأزواج ، إذا ماتت زوجته يتألم كثيراً، لأنها مثلت له المحور في حياته ، والطمأنينة والهدوء والاستقرار والسكينة والرابطة لإيمانية ، وهذه هي الزوجة التي يريدها الإسلام وتشير إليها الروايات .
مشكلة انتخاب الأبوين الزوجة للابن في الروايات عن المعصومين عليهم السلام:
إن مشكلة اختيار الأبوين للزوجة دون أن يكون للابن أدنى رأي ، ليست من مختصات مجتمعنا الذي نحن في كنفه ، بل كانت لها جذور عميقة ممتدة إلى زمن الأئمة عليهم السلام ، واستُعِرَضت في الروايات: عن أبي يعفور ، ُسئل الإمام الصادق عليه السلام عن مسألة اختيار الأب والأم للزوجة دون جعـل رأس الخيط بيد الشاب، قلت له عليه السلام: ( إني أريد أن أتزوج امرأة وإن أبويَّ أرادا غيرها ، قال تزوج التي هويت ، ودع التي يهوى أبواك ). بمعنى أن يكون محور الاختيار ورأس الخيط في الانتخاب بيد الشاب والشابة، لأن مسألة نزع جانب الحرية منهما ، سيجعل كل المشاكل التي تتحقق في المستقبل ترجع إلى سلب الاختيار منهما ، وبالتالي حتى نتفادى ذلك ، ينبغي أن نعطي الشاب والشابة كامل الحرية في الاختيار ، وبهذا يتحقق بناء العش الزوجي السعيد ، والأسرة الصالحة في المستقبل . وللكلام تتمة ستأتي ..
الزواج أساس البناء الاجتماعي 3
القسم الثالث : اختيار الزوجين في أحاديث المعصومين عليهم السلام
قال الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً}(الروم:21) صدق الله العلي العظيم.
لا زال الكلام موصولاً حول تصحيح وإيضاح بعض المفاهيم المتعلقة بالزواج، واستعرضنا فيما تقدم بعض الأبحاث التي لها أهمية في اختيار الرجل للمرآة التي يريد أن يتزوجها. وكذلك في اختيار المرأة للرجل الذي تريد أن تتزوجه.
الزوجة المثالية عند المعصومين عليهم السلام :
وهنا نوضح بعض ما جاء من الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله الطاهرين وعن الأئمة من أهل البيت عليهم السلام في مميزات الزوجة المثالية ، و نستعرض باقتضاب أهمها :
الأمر الأول : الدين والخلق.
إن هذين المحورين هما، الركيزة الأولى التي أكد عليها الإسلام في اختيار المرأة، وذلك لدورهما الكبير في إنجاح الحياة الزوجية، وجعلها حياة سعيدة، أما بقية العوامل الأخرى، فينبغي أن تنصهر فيهما.
وهذا لا يعني أن الإنسان ، لا يسعى نحو الجمال أو لا يسعى نحو الأمور الأخرى ، التي أكدت الروايات ، عليها ، ولكن المطلب الرئيس والأساس لمن يبتغي الزواج هو الخلق والدين ، فلا يكون الدين تبعاً للجمال أو تبعاً للمال أو تبعاً للأسرة بل الأمور الأخرى تكون تابعاً للدين أي لو تعارض الدين مع الأسرة فالمرجح هو الدين ، ولو تعارض الدين مع الجمال ، فالمرجح هو الدين ، باعتبار أن جميع العوامل الأخرى ، لن تدوم بل ستبقى فترة مؤقتة ثم تتلاشى منتهية ، أما الخلق والدين فهما عاملان ثابتان بل الدين أكثر من الخلق كما أكدت على ذلك الروايات باعتبار أن حتى الخلق يكون تابعاً للدين. نقرأ بعض الروايات وأقوال العلماء في هذا الشأن . النبي صلى الله عليه وآله الطاهرين يقول: (لا تنكح المرأة لجمالها فلعل جمالها يُرديها ولا لمالها فلعل مالها يُطريها وانكح المرأة لدينها).
كما أن بعض الناس ينكح المرأة ويتزوج بها لأجل أنها من أسرة كريمة فقط، ويغفل عن أهمية الخلق والدين، وقد أوضحت الروايات أن هذا الزواج غير مستقر بل مآله إلى الفشل إلا ما شاء الله.
يقول النبي صلى الله عليه وآله الطاهرين: (من نكح امرأة حلالاً بمال حلال غير أنه أراد به فخراً ورياءً وسمعة ً لم يزده الله بذلك إلا ذُلاًّ وهوانا). ً
والذل والهوان كناية عن عدم الارتياح والاستقرار والطمأنينة والدعة والعيش الرغيد في مسيرة هذا الزواج . هذا المعنى الذي أكدت الروايات أثبتته البحوث العلمية الحديثة ، فالاستبانات والاستقراءات المتعددة أكدت على أهمية الدين والأخلاق في نجاح الزواج .
يقول أحد العلماء الذين بحثوا في الشأن واسمه ( هاروي لاك ) في كتابه " توقع التوافق في الحياة الزوجية " إن عدم الاهتمام بالدين له تأثير كبير في إرباك الحياة الزوجية .
الأمر الثاني : العقل والأدب.
إن مسألة عقل المرأة وحسن تدبيرها في الأمور ، هو غير الخلق والدين ، حيث يرجع إلى حسن تربيتها, واهتمام أهلها بتنشئتها على إدارة المنزل, وطريقة التعامل مع كل الظروف الصعبة, ولذا نجد الإمام الكاظم عليه السلام، عندما يذكر عنده النساء ، يشير إلى أن خيرهم ( ما كان لك فيها هوى، وكان لها عقل وأدب فلست تحتاج إلى أن تأمر ولا تنهى)، فالإمام يؤكد على أن هذا النوع من النساء لا يحتاج إلى الأمر والنهي من الزوج, فهي تعرف دورها ووظيفتها بشكل كامل، وهذا يعبر عن ميزة راقية، في الزوجة .
الأمر الثالث : عدم الاكتفاء بجمال المرأة.
إنّ الروايات أكدت على أنه لا ينبغي أن تطغى بعض عوامل الإثارة على نوعية انتخاب الرجل للمرأة، خصوصاً فيما يرتبط بشكل المرأة، ولذا نجد أن بعض الشباب يهتم فقط بجمال المرأة، وشكلها الخارجي، من دون الالتفات إلى الأمور الأخرى، وهذا أمر خطر جداً، على الشباب الذين لا يعلمون عواقب هذه الأمور، ولا تتوافر لديهم تجارب كبيرة، في هذا الشأن، والنبي صلى الله عليه وآله الطاهرين أكد على أن هذا العامل لا ينبغي أن يغفل العوامل الأخرى ويجعل عليها ضبابية دون انتباه إلى العواقب الوخيمة المترتبة على ذلك.
يقول صلى الله عليه وآله الطاهرين: (إياكم وخضراء الدِّمن ، قيل يا رسول الله وما خضراء الدِّمَن قال: المرأة الحسناء في منبت السوء ).
وهذا تشبيه رائع، فهناك بعض الجيف، أشبه بمياه المجاري، تنبت عليها أعشاب جميلة ورائعة، غير أن الأساس لها سيء، وقد يقترن بهاء ذلك المنظر، بالروائح التي تؤذي وتدوم، ولذلك يقول صلى الله عليه وآله : خضراء الدِّمن هي امرأة حسناء ولكن المنبت الذي نبتت فيه هو منبت سيء.
الزوج المثالي عند المعصومين عليهم السلام :
كما أن من المسائل التي أكدت عليها الروايات على أنه ينبغي لمن أراد أن يتزوج أو بالنسبة للأب وأولياء الأمور الذين يعطون الكريمة لمن خطبها ينبغي أن يراعوا مسألة الاستمرار والديمومة والاستقرار و الهناء في الحياة الزوجية، وأهم هذه المميزات:
التدين والأخلاق الحسنة:
بمعنى إن هذه المرأة التي أُعطيها للرجل أرى دينه وأخلاقه، والروايات أكدت على هذا المطلب في غاية التأكيد.
قال النبي صلى الله عليه وآله: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه، فزوّجوه، إلا تفعلوه، تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)، ولذلك حذر صلى الله عليه وآله من الذين لا يتوافر فيهم التدين، يقول النبي صلى الله عليه وآله الطاهرين: (من زوج كريمته من فاسق فقد قطع رحمه). فالنبي صلى الله عليه وآله الطاهرين يقول إن الإنسان الذي يعطي ابنته لرجل فاسق، لأنّ لديه منصباً أو مالاً أو وجاهةً أو أنه من أسرة كريمة، فهو في الحقيقة أودى بابنته إلى حافة الهاوية والسقوط، وقد تصل الأمور إلى ما لا يحمد عقباه، فهو لم ينفعها، بل أضّر بها، وبالتالي قطع رحمه، ولم يصله بما ينفعها. فهذا التأكيد الكبير على أهمية الأخلاق والدين وبالخصوص الدين ، لأن بعض الروايات أكدت على مسألة الدين أكثر من التأكيد على مسألة الخلق، باعتبار أن الخلق يتأتي تبعاً للدين، لكن الدين لا يتأتى تبعاً للخلق. ونحن نعلم أن عند اشتداد الغرائز إذا لم يتوافر الدين للإنسان فإنه ينفلت، بينما تحت وطأة أشد الغرائز، إذا كان الدين متوافراً ومتواجداً لدى الإنسان، فإنه يقي الإنسان من الانزلاق ويحفظ له التوازن ويجعله في المسار السليم والصحيح، ولذا أكدت الروايات على أن الدين يتبعه الخلق إلا ما شاء الله، فهناك نوادر بمعنى أنه قد يتوافر الدين ولكن هناك سوء خلق. لكن في الأعم الأغلب بل من كمال الإيمان أن يتوافر الخلق الجميل والحسن.
يقول إمامنا أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه في هذا الشأن: (رأس الإيمان حسن الخُلق والتحلي بالصدق).
فرأس الإيمان يعني القمة، أن يكون الإنسان إيمانه يدلل عليه ذلك الخلق الكريم. وقد كتب الحسين بن بشار إلى إمامنا الرضا عليه السلام يسأله عن مسألة في هذا الصدد وهذا الشأن فيقول: [ إن لي ذا قرابة وقد خطب إلي وفي خُلقه سوء قال إمامنا الرضا عليه السلام: لا تزوجه إن كان سيء الخُلق ].
ويقول صلى الله عليه وآله الطاهرين في هذا الشأن: ( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً وألطفهم بأهله ).
فتجد في تعامله مع زوجه لطيفاً وعنده لين عريكة، وقد أكدت الروايات على هذا الجانب في إبراز حقيقة الإيمان.
وفي رواية أخرى يقول المصطفى صلى الله عليه وآله الطاهرين:
( خيركم، خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهله ).
فيبين أن هذا الكمال في التعامل باللطف والرحمة والمودة هو الذي يمثل الحسن ومنتهى الكمال، وهو في قمته في شخصه الكريم صلى الله عليه وآله الطاهرين.
وقد أبانت الروايات مفصحة على أن من زوج كريمته من لا يوجد لديه دين، فقد جعلها تعيش الظلم طوال حياتها، باعتبار أن الحياة يمر فيها الحلو والمُر كما نعبر، فالحياة فيها من المشاكل وفيها من اللطف والدعة والاستقامة والاستقرار والأشياء الجميلة الكثيرة، ولكن قد يطغى ذلك المُر على تلك الأمور الحسنة والجميلة في الحياة، لذا أكدت الروايات أيضاً على هذا المطلب.
فالإمام الحسن عليه السلام عندما سأله رجل قائلاً له: إن لي ابنة فمن ترى أُزوجها ؟ قال صلوات الله وسلامه عليه: ( زوجها ممن يتقي الله عز وجل، فإن أحبها أكرمها وإن أغضبها لم يظلمها). إن كان هناك حب فيوجد الكرم وتعامل بمكارم ومحاسن الأخلاق، وإن كان هناك بغض فالسير على جادة الصواب والاستقامة والقانون الإسلامي، فلا يبخس هذه المرأة حقها، وما ينبغي له أن يتعامل به معها لأنه مؤمن، وهذه الأمور هي الركائز العميقة والمؤثرة في استمرار وديمومة الحياة الزوجية في حُسنٍ وبهاء.
عادات غير حسنة:
ينبغي أيضاً أن نؤكد على بعض العادات الخاطئة، التي يقوم بها بعض الناس خطأً ثم تنتشر كانتشار النار في الهشيم. فمن هذه العادات الخاطئة، التي كثرت في مجتمعنا: هو أن يدخل أبو البنت أو أبو الزوج في ليلة الزواج عند العروس مع أبنائه! فهذا تصرف غير صحيح وغير محبَّذ، فنحن نعلم أنّ ليلة الزواج ليلة خاصة، تأتي النساء فيها بألبسة وفساتين مختلفة، وقد لا يُراعى الحجاب بشكل كامل، وبالتالي فهو محل فتنة وإثارة ومورد شبهة، فينبغي للإنسان المؤمن أن يبتعد عن مواطن وموارد الشبهة.
يقول النبي صلى الله عليه وآله الطاهرين: ( حلال بَيّن وحرام بَيّن وشبهات بين ذلك ). فإن لم يكن ذلك العمل حراماً فعلى أقل تقدير من موارد الشبهات، فينبغي على الإنسان البرِّ التقي الذي يريد أن يسير على خط أهل البيت سلام الله عليهم أجمعين، أن يُجنِّب نفسه موارد ومواطن الشبهة خصوصاً بعض الشبهات التي تكون عواقبها وخيمة، ونُنبه هنا على أن الكثير من الانحرافات كان السبب الرئيس فيها النظرة, فهذه النظرة الحرام، تودي بالإنسان إلى الهلاك، ولذا ورد في الرواية أن النظرة هي سهم الشيطان الذي به يصطاد، فما بالك إن لم تكن نظرة بل عشرات ومئات النظرات، عندما يدخل الإنسان مع أبنائه ليلة الزواج وهم أجانب على أجنبيات، فينبغي أن نحذر وأن نبعد أنفسنا عن هذه العادات الخاطئة.
الزواج أساس البناء الاجتماعي 4
القسم الرابع : الزواج من الأقارب والأباعد.
قال الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً}(الروم:21) صدق الله العلي العظيم.
استعرضنا في كلمات سابقة، بعض ما يتعلق بالزواج من أبحاث وفي هذا اليوم المبارك نستعرض موضوعين هامين لهما علاقة ذات شأن بالزواج الموضوع الأول: هو الزواج من الأقارب, والموضوع الثاني: هو الزواج من الأباعد إذا صح التعبير.
الزواج من الأقارب :
إن الزواج من الأقارب لا يوجد مانع منه من الناحية الشرعية، بل هناك بعض الروايات التي قد يستفاد منها استحباب الزواج من الأقارب إذا تحقق شرطان أو أكثر
الشرط الأول: هو أن يكون هذا الزواج لله تبارك وتعالى.
الشرط الثاني: أن يراد به صلة الرحم فقد ورد عن المصطفى صلى الله عليه وآله: (من تزوج لله لصلة الرحم توجه الله بتاج الملك)، وتاج الملك هذا كنايه عما أعده الله تبارك وتعالى من النعيم المقيم الذي لا زوال له ولا اضمحلال في يوم القيامة، فهو كناية عن مرتبة من السعة في عالم الغيب في الآخرة، فإذاً الزواج من الأقارب قد تتحقق به بعض الفوائد، ومن جملتها صلة الرحم بالإضافة إلى رضوان الله تبارك وتعالى. ونضيف هنا مسألة هامة لها أثرها في الزواج من الأقارب، وهي أن هذا النوع من الزواج لابد أن يبتني على أسس موضوعية، أي أن الروايات التي استعرضنا شطراً منها لا ينبغي أن نلغي الخصوصية الموجودة فيها التي تبين أهمية الدين كقوله صلى الله عليه وآله : (عليك بذات الدين تربت يداك) أو الروايات التي تفصح عن أهمية الخلق في الزوجة، فهذه لها موضوعية في اختيار الزوجة ولا يمكن للإنسان أن يتغاضى عن هذه الروايات، ويسدل عليها ستاراً من أجل أن يتزوج من أقاربه، يعني : عندما تتحقق سائر الشرائط الموضوعية - التي منها قصد التقرب إلى الله وصلة الرحم - يكون الزواج من الأقارب مستحباً.
كما أن من الأمور الهامة التي يجب مراعاتها الشرائط الصحية يعني : الذي يريد أن يتزوج من إحدى قريباته علية أن يلحظ أهمية الجانب الصحي، وبالخصوص في منطقتنا هذه، فنحن نعرف أن المنطقة فيها أمراض الدم الوراثية وغيرها من الأمراض التي تدعو الإنسان إلى أن يفكر مراراً وتكراراً قبل أن يُقدم على الزواج، لأنّ هذا الزواج لا يكلفه وحده, وإنما يكلف الجيل القادم عناءً ومشقةً ويتطلب خسائر فادحة، تتحمل الدولة ويتحمل الوطن الكثير من أعبائها هذا بالإضافة إلى انشغال الوالدين بالجانب الصحي للأبناء فإذاً علينا إذا أردنا أن نبحث في زواج الأقارب من الناحية الموضوعية، فنقول: أنه لا مانع من الناحية الشرعية من الزواج من القريبات، بل قد يكون محبباً إذا توافرت الشرائط الصحية في الزوجة القريبة،كذلك أيضا إذا توافرت الشرائط الموضوعية التي أشارت إليها الروايات كالدين والخلق.
بالإضافة إلى الشرطين اللذين ذكرناهما في هذا اليوم وهما: ( أن يريد المتزوج التقرب إلى الله بهذا الزواج وأن يصل رحمه ), فإذا تحققت هذه الحيثيات فالزواج من الأقارب يكون من المستحبات.
الزواج من الأباعد :
هذا الزواج الذي يتحقق من غير الأقارب له ميزات متعددة، لا تتوافر في الزواج من الأقارب سوف أستعرض بعضاً منها:
الميزة الأولى :
هي التعارف بين الناس وهي هامة جداً، ولا أريد منه التعارف النظري بل هو التعارف العملي بمعنى التمازج والتداخل القوي والمتين, ولعل في الأمثال الموجودة المتداولة على الألسن ( كن نسيباً ولا تكن ابن عم )، وغير ذلك من الأمثلة التي تبين هذه الحيثية، وما أريد إيصال معناه إلى الأذهان: هو أن الزواج من الأباعد يخلق روابط كبيرة ومتينة، فهو يفتح للإنسان آفاق كبيرة قد لا تعتري ذهنه عندما يقدم على الزواج، يعني: يجد الكثير من المصالح التي لم يلتفت إليها في الزواج من غير القريبات أي من الأباعد، ولذا نجد هذه الظاهرة جلية في سيرة المصطفى صلى الله عليه وآله وأئمة أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم، فهم يتزوجون من البعيدين، وما ذلك إلا من أجل تكوين روابط جديدة لها أثرها الفعّال في النواحي الاجتماعية والثقافية، وإنشاء روابط من العلاقات المتينة بين القبائل والمجتمعات الأخرى، ولذلك نجد أن بعض زوجات الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، لا يرتبطون معهم بأي رابطة نسبية.
الميزة الثانية :
إلغاء الطبقية الاجتماعية، لا يخفى على أحد أن المجتمع الإسلامي كانت فيه طبقات مختلفة، كالسيد والعبد، والشريف في النسب والأقل منه، والأسود والأبيض، والغني والفقير ، ولذلك سعى الإسلام لإزالة هذه الفوارق تبعاً لمنهجه القويم {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} , ومن هذا المنطلق قام الرسول صلى الله عليه وآله بتزويج المقداد من أشرف القبائل وهي قريش، بل ومن بني هاشم ، فهو تزوج من بنت عمالرسول صلى الله عليه وآله وهو الزبير بن عبد المطلب، والمقداد الذي يعرفه الجميع على أنه عبد وليس من القبائل المعروفة، والتي لا مكانة ووجاهة لها، والنبي صلى الله عليه وآله الطاهرين أفصح عن السبب في ذلك بقوله: (إنما زوجت المقداد لإرادة أن تتضح المناكح)، يعني: أريد هدفاً من هذا الزواج حتى لا يقال أنّ فلاناً أكفأ أو أرفع في الدرجة، وبذلك يتحقق ما يريده الشارع المقدس من روح مبنية على التسامح، وإزالة الفوارق الطبقية التي قد تحدث بسببها ما قد يعلم به إلا الله من المآسي، كما وأننا نجد هذا الأمر واضحاً في بعض زوجات الأئمة عليهم السلام اللاتي لم يكْنَ من العرب، وهذه الطبقية - وللأسف - متفشية في الكثير من المجتمعات، ولازالت موجودة إلى يومنا الحاضر، ولكن بشكل أقل من السابق، فالشاب الذي يخطب لا تُلاحظ فيه الكفاءات والقدرات التي يمتلكها، بل حتى لا يلحظ الجانب الديني والخلقي، ويكون المقياس هو أنّ هذا بعيد ولا يدخل فينا، ولذلك يُرفَضُ وبالتالي تبقى مجموعة من النساء عوانس وما أكثرهم في مجتمعنا.
الميزة الثالثة :
الفوائد الصحية التي تتحقق في الزواج من الأباعد، وهذه طبعاً ليست قاعدة عامة، بل في الأعم الأغلب الذي يتزوج من الأباعد يخلو من أكثر الأمراض والمشاكل الصحية، يعني: بالإضافة إلى الفوائد التي أشرنا إليها وشرحناها، فهناك فوائد صحية تتحقق للإنسان.
أولاً:أن يتجنب الأمراض الوراثية الموجودة عنده .
ثانياً : أن يحقق فوائد لأبنائه من ناحية القوة والذكاء و الحيثيات الأخرى التي قد تتوافر في من يتزوج منهم، ولذا نجد في الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله الطاهرين وعن الأئمة من أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، بيان للفوائد الصحية نجد أحاديث تعير عن هذا المعنى (اغتربوا لِئَلا أو كي لا تضْووا)، نقول ضوى في اللغة بمعنى: ضَعُفَ. فهذا الحديث عن المصطفى صلى الله علية وآله يشير إلى معنى رائع وجميل، هو أنكم إذا تجنبتم الزواج من الأقارب سوف تحققون جانباً صحياً كبيراً يحقق متانة في الجسم، ونمواً واستقامةً لدى الجيل الجديد، ولذا نجد في الكثير من الأمراض الوراثية الموجودة عندنا أن السبب الرئيس فيها يكمن في الزواج من الأقارب, والأحاديث الشريفة تشير إلى هذا المضمون (اغتربوا كي لا تضووا)، فهي تريد أن تبين أهمية إزالة السلبيات التي تتحقق في الزواج من الأقارب، وكذلك تحقق فائدة كبيرة في إبراز الجانب الإيجابي للزواج من الأباعد، وعلينا أن نلفت النظر إلى أنّ ما ذكرناه يمثل الأعم الأغلب، وليس قاعدة مطردة ودائمة، إذ يمكن للإنسان أن يتزوج امرأة مصابة ببعض الأمراض، وهو أيضا يحمل نفس الأمراض مع أنها بعيدة عنه، وليست من أقاربه، ومن هنا ينبغي أن يلحظ هذه الأمور بعينٍ من الموضوعية والروية، فلا تأخذه العاطفة ويتعجل، فيقع فيما لا تحمد عقباه، بالإضافة إلى أن هناك بعض الجوانب الهامة التي تشير إليها الأبحاث الحديثة، وقد لا نتفق معها تماماً، ولكني أُشير إليها باقتضاب وهو(أن الجانب الجنسي في الدافعية إلى الزواج من الأباعد ، هو أقوى بكثير من الجانب الجنسي في الزواج من الأقارب)، يعني: قوة الدافعية الجنسية والربط الوثيق من الناحية الجنسية كما تشير بعض الأبحاث في هذا المجال، هي أقوى وأشد في الزواج من الأباعد.
إذاً هذه بعض الأمور العامة أو الحيثيات التي لابد أن تلحظ من لدن الشباب والشابات, وأختم كلامي بالتأكيد على بعض النقاط الهامة التي ينبغي لنا أن نلتفت إليها:
النقطة الأولى:
مسألة التصوير في الزواج, وهي مسألة في الحقيقة ذات شؤون وشجون، فهي ليست بحرام، ولكن مخاطرها كبيرة وكثيرة جداً، فالزوجة في ليلة زفافها وكذلك النساء اللاتي معها عندما يأْتينَ وهنّ بكامل زينتهْنَّ، ويتم تصوير هؤلاء النسوة، من قبل أيدي غير أمينة وغير ملتزمة، ويتم تناقل هذه الصور إلى من يسيء الاستفادة منها، فمثلاً: يستخدم تقنية الحاسب الآلي في تركيب هذه الصور على أجساد نساء غير محتشمات أو في أوضاع مخلة بالأدب والأخلاق، وذلك يتم بطرق فنية مختلفة، وبالتالي تتعرض العائلات المحترمة إلى إساءة السمعة والمهانة الاجتماعية، وقد تستغل بعض النسوة بهذه الطريقة للابتزاز الجنسي، ويضغط عليها للقبول لكي تحافظ على سمعتها وعرضها، وبالتالي تسقط في مهاوي الرذيلة والانحراف, فكما تلاحظون كيف أن هذا المسألة البسيطة وهي التصوير تؤدي إلى فضائح وهتك أعراض وإساءة سمعة إذا لم نتوخى الحذر والحيطة.
النقطة الثانية:
وهي هامة جداً ، وتتعلق بالتصوير أيضاً في الأعراس والحفلات الخاصة، فعندما يؤخذ فيلم الكاميرا ليحمض في بعض الاستوديوهات التي يعمل فيها من العمالة الأجنبية الذين يختلفون معنا في ثقافتنا، ويبحثون عن الصور التي لها طابع جمالي، أو لها بعض الحيثيات الأخرى, ثم يقومون بنشرها أو بيعها من أجل مكاسب مادية، وهذا يمثل خطراً كبيراً على مستقبل هذه الزوجة، وعلى عائلتها، وقد تتعرض للطلاق بسبب بعض الأخطاء غير المقصودة.
النقطة الثالثة :
تتعلق بالجوالات التي تشتمل على كاميرا، التي تحملها بعض النسوة معها إلى حفلات الزفاف النسائية، وتصور النساء، وعندها تحصل الاستفادة السيئة من هذه الصور بقصد أو بدون قصد، وهنا ينبغي لنا، جميعاً أخذ الحذر ومحاولة منع دخول مثل هذه الجوالات في حفلات الزواج، وتنبيه أهلنا ونساءنا على توخي الحذر في مثل هذه الأمور الخطيرة.