رجال الشام وفضح النظام النصيري
سعد بن ضيدان السبيعي
بسم الله الرحمن الرحيم
سنة الله في الظالمين والطغاة معلومة، ولن تجد لسنة تبديلاً ولا تحويلاً ،فمصيرهم وإن طال بقاؤهم إلى مزبلة التاريخ ،فلم يستفيدوا من طول عمرهم، وسنين حياتهم النكدة، إلا مزيداً من الآثام، وبعداً عن الله، وبغضاً وكرهاً في قلوب شعوبهم، وتواطأ الألسنة على سبهم كل ما حل ذكرهم ،وأي ظلم أعظم مما فعله النظام النصيري قديماً وحديثاً بشعبه..
فمذبحة حماة سنة1982م ،أعظم مجزرة سجلت على استحياء ومن طرف خفي في التاريخ، لم نسمع بأعظم منها إلا ما فعله التتار في بغداد،والنصارى في البوسنة والهرسك، غير أن الفرق بينهما جلياً !
فالتتر والمغول والنصارى سلمت منهم شعوبهم، أم هذا النظام النصيري فتجرد من إنسانيته فصب جام غضبه على شعبه فدك حماة واستباح أرضها وأراق دم علمائها وأبنائها واغتصب من نسائها ونهب ثرواتها وتفنن بأبشع فنون الإجرام فيها!
سلم منهم الصهاينة الذين اغتصبوا الجولان منهم، بل باعوها إليهم بثمن بخس، ولم يسلم منهم شعبهم،
لقد عاثوا في أرض الشام فساداً ،أرض الشام التي صحت في فضلها عموماً وفي فضل أهلها خصوصاً أحاديث رواها غير واحد من أهل العلم كالحافظ أبي الحسن الربعي والحافظ أبي سعد السمعاني والحافظ ابن عبدالهادي المقدسي رحمهم الله تعالى..
أكثر من أربعة عقود عجاف ،وأهل السنة يئنون تحت وطأة النظام النصيري ، حارب السنة، ونشر الفساد والبدعة ،وقمع العلماء ونفاهم ،واعتقل الدعاة وصفاهم،حتى النساء لم يسلمن من إجرامهم ،فهذه (بنان) طوردت خارج سوريا وتم تصفيتها في مدينة آخن الألمانية في 11/5/1401 هـ وتحديدا يوم الخميس يوافق 17/3/1981م، لم ينس التاريخ بنان الطاهرة بنت الشيخ الأديب على الطنطاوي رحمة الله عليه وعليها، ولم ولن أجد تعبيراً أشد من تعبير والدها القائل في ذكرياته:
ابنتي بنان رحمها الله, و هذه أول مرة اذكر فيها اسمها,اذكره و الدّمع يملأ عيني,و الخفقان بعصف بقلبي, اذكره أول مرة بلساني و ما غاب عن ذهني لحظة و لا صورتها عن جناني. افتنكرون عليّ أن أجد في كل مأتم مأتمها و في كل خبر وفاة وفاتها؟ وإذا كان كل شجى يثير شجاه لأخيه أفلا يثير شجاي لبنتي؟ إن كل أب يحب أولاده و لكن ما رأيت لا والله ما رأيت من يحبّ بناته مثل حبي بناتي،ما صدقت إلى الآن و قد مرّ على استشهادها أربع سنوات و نصف السنة و أنا لا أصدق بعقلي الباطن أنها ماتت,إنني اغفل أحيانا فأظنّ إن رنّ جرس الهاتف أنّها ستعلمني على عادتها بأنّها بخير لأطمئنّ عليها تكلمني مستعجلة,ترصف ألفاظها رصفا",مستعجلة دائما" كأنها تحسّ أن الردى لن يبطئ عنها,و أنّ هذا المجرم, هذا النذل..هذا..يا أسفي, فاللغة العربية على سعتها تضيق باللفظ الذي يطلق على مثله. ذلك لأنها لغة قوم لا يفقدون الشرف حتى عند الإجرام, إن في العربية كلمات النّذالة و الخسّة و الدناءة,وأمثالها, و لكن هذه كلها لا تصل في الهبوط إلى حيث نزل هذا الذي هدد الجارة بالمسدس حتى طرقت عليها الباب لتطمئنّ فتفتح لها, ثم اقتحم عليها,على امرأة وحيدة في دارها, فضربها ضرب الجبان,و الجبان إذا ضرب أوجع, أطلق عليها خمس رصاصات تلقتها في صدرها و في وجهها . ما هربت حتى تقع في ظهرها, كأنّ فيها بقية من أعراق أجدادها الذين كانوا يقولون :
و لسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ---- و لكن على أقدامنا تقطر الدّما
ثم داس ال...لا ادري والله بم أصفه؟ إن قلت المجرم فمن المجرمين من فيه بقية من مروءة تمنعه من أن يدوس بقدميه النجستين على التي قتلها ظلماً" ليتوثّق من موتها. ربما كان في المجرم ذرة من إنسانية تحجزه عن إن يخوض في هذه الدّماء الطاهرة التي أراقها. و لكنه فعل ذلك كما أوصاه من بعث به لاغتيالها, دعس عليها برجليه ليتأكد من نجاح مهمته,قطع الله يديه و رجليه,لا,بل ادعه و ادع من بعث به لله,لعذابه,لانتقامه,و لعذاب الآخرة اشدّ من كل عذاب يخطر على قلوب البشر. و انتشر في الناس الخبر و لمست فيهم العطف و الحب و المواساة... و وصلتني برقيات تواسيني و إنها لمنة ممن بعث بها و ممن كتب يعجز لسان الشكر عن وفاء حقها و لكني سكت فلم اشكرها و لم اذكرها, لأن المصيبة عقلت لساني, و هدت أركاني. و أضاعت عليّ سبيل الفكر, فعذرا" و شكرا" لأصحاب البرقيات و الرسائل.كنت احسبني جلدا" صبورا", اثبت للأحداث , و أواجه المصائب , فرأيت أني لست في شيء من الجلادة و لا من الصبر و لا من الثبات...صحيح انه:
و لا بدّ من شكوى إلى ذي مروءة ------ يواسيك أو يسليك أو يتوجع
و لكن لا مواساة في الموت, و السلو مخدر أثره سريع الزوال. و التّوجع يشكر و لكن لا ينفع شيئا". و أغلقت عليّ بابي و كلما سألوا عني ابتغى أهلي المعاذير,يصرفونهم عن المجيء, و مجيئهم فضل منهم, و لكني لم أكن استطيع أن أتكلم في الموضوع. لم أرد أن تكون مصيبتي مضغة الأفواه, و لا مجالا" لإظهار البيان, أنها:
مصيبتي وحدي فدعوني
أتجرعها وحدي على مهل.
ثم فتحت بابي, و جعلت اكلم من جاءني, جاءني كثير ممن اعرفه و يعرفني و ممن يعرفني و لا
اعرفه. و جعلت أتكلم في كل موضوع إلا الموضوع الذي جاؤوا من اجله,استبقيت أحزاني لي, و حدثتهم كل حديث حتى لقد أوردت نكتا و نوادر. أتحسبون ذلك من شذوذ الأدباء؟ أم من المخالفات التي يريد أصحابها أن يعرفوا بها؟لا والله و لكن الأمر ما قلت لكم. كنت اضحك و اضحك القوم و قلبي و كل خلية في جسدي تبكي. فما كل ضاحك مسرور:
لا تحسبوا أن رقصي بينكم طربا"------- فالطير يرقص مذبوحا" من الألم
إني لأتصوّر الآن حياتها كلها مرحلة مرحلة, و يوما" يوما" تمر أمامي متعاقبة كأنها شريط أراه بعيني.
لقد ذكرت مولدها و كانت ثانية بناتي, و لقد كنت أتمنى أن يكون يكري ذكرا" و قد أعددت له أحلى الأسماء ما خطر على بالي أن يكون أنثى. و سميتها عنان و ولدت بعدها بسنتين بنان اللهم ارحمها و هذه أول مرة أو الثانية التي أقول فيها اللهم ارحمها و أني لأرجوا الرحمة لها و لكني لا استطيع أن أتصور موتها. و لما صار عمرها أربع سنوات و نصف السنة أصرت على أن تذهب إلى المدرسة مع أختها, فسعيت أن تقبل من غير تسجل رسميا". فلما كان يوم الامتحان و وزعت علماتها المدرسية و قد كتب لها ظاهريا" لتسر بها و لم تسجل عليها. قلت هيه؟ ماذا حدث؟ فقفزت مبتهجة مسرورة و قالت بلهجتها السريعة الكلمات, المتلاحقة الألفاظ:
بابا كلها أصفار أصفار أصفار.
تحسب الأصفار هي خير ما ينال. و ماذا يهم الآن بعدما فارقت الدنيا أكانت أصفارا" أم كانت عشرات, و ماذا ينفع المسافر الذي ودع بيته إلى غير عودة, و خلف متاعه و أثاثه, ماذا ينفع طراز فرش البيت و لونه وشكله.أ.هـ.
هذا مشهد محزن مؤثر ،من الآف الصور والمشاهد التي غابت وغيبت، لم نعرفها لكن الله يعرف أصحابها،واليوم هذا ابن حافظ الصغير يمشي على خطا والده ويكمل مابناه بلؤم وخسة فقد فتح الباب على مصراعيه للمد الصفوي الإيراني لنشر الرفض والتشيع ،يسانده في ذلك علماء سلطته الذين زينوا له سوء عمله ،بل ومد يده المتلطخة بدماء شباب بانياس ودرعا الطاهرة الزكية لمصافحة حزب الشيطان اللبناني!
ادر كنترول التحكم على القنوات الإخبارية ترى القمع الوحشي وإراقة الدماء الطاهرة،والهمجية البربرية،والاعتقالات الواسعة لشعب أبي ينشد الحرية ويطالب بإصلاح الفساد ،بعد أن طال لليله وهو يرزح تحت وطأة النظام النصيري،ومع ذلك كله هؤلاء زلمات دمشق ودرعا وبانياس واللاذقية وحمص وغيرها من مدن الشام تدق المسمار الأخير في نعش النظام النصيري الجائر الذي طالما سامها خسفاً وسوء عذاب،مسدلة الستار على مهزلة الظلم والجور والطغيان..والله حسبنا ونعم الوكيل.
وكتب
سعد بن ضيدان السبيعي
الداعية بوزارة الشؤون الإسلامية
11/5/1432هـ
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]